الجمهورية اليمنية - وزارة الثقافة والسياحة

الهيئة العامة للكتاب
والنشــر والترجمة والتوزيـــع

إبليس

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

الكاتب : سعيد محمد الحمادي – اليمن

التزاحم على أشده, حركة المرور لاتزال في حالة شديدة, في السماء سحب متفرقة, والشمس ترسل أشعتها, لتزيد من حرارتها على الركاب والسائقين, يحسون قيضها, طباعهم فِي هذه الحالة مشمئزة, غير مكترثين لبعضهم, كل واحد في تفكيره أشياء يريد إتمامها, صعد أحدهم، قعد على الكرسي الَّذِي خلف السائق, فِي العقد الخامس, وجه حليق، يلبس معطفًا رماديًا, وقميصًا برونزيًا طويلاً, لعرقوبي قدميه, يلتف حول خصره حزام معقود عليه ((جنبية)) داخل غلاف خشبي, تدل على بهوض ثمنها, يتحدث بالهاتف, أسند ظهره للخلف…شعر بالارتياح, ومازال يتحدث بالتلفون, أقبلت امرأة فِي العقد الرابع, تلبس نقاباً وجلباباً أسود إلى قدميها. تحمل بيدها كيساً بلاستيكياً, لم يكن الباص قد امتلأ… أرادت القعود فِي الكرسي الَّذِي عليه الرجل. وبما أن المرأة مخوّل لها الجلوس فِي الكرسي الَّذِي تريد.

قالت للرجل: أرجع للخلف!

لم يعبأ بها… يتحدث مع أحد أبنائه, وقد أخبره بأن سعر الغاز ارتفع, ولا يوجد فِي المنزل غاز, وكذلك السيارة لا يوجد بها بترول, يشعر بالضيق والإحباط, يكفهر السحنة, لم يرضخ لطلب المرأة, وقد شرد تفكيره, في كيفية الحصول على البترول والغاز؟

علا صوتها: ألا تسمع ما أقوله لك؟ أنت لا تحترم المرأة, ألا تعلم بأن لها الاحترام والتقدير, فِي المحافل الدولية, والمنظمات الحقوقية والإنسانية…

قال الرجل: أنا لن أبرح مكَاَنَي! والباص مازال خالياً, عليكن القعود فِي أي كرسي تشأن!

علا صوتها أكثر: ألا تعلم بأني من أحفاد بلقيس, وأروى اللتين حكمتا اليمن ردحًا من الزمن!؟

تجمع الركاب, أوعزوا للرجل بالقيام من مكَاَنَه, فهي امرأة ويجب احترامها, صوتها يعلو بتوتر, أكمل الرجل مكالمته. وهو يشعر بالإحباط, قام من كرسيه, وتعوّذ من إبليس, قعدت هي واستعاذت, يتوارى إبليس فِي زاوية الباص, من هذه الإستعاذات. عندما يهدؤون, يوعز لهم فِي أذهانهم, بأن هذه المرأة ظُلمت, والرجل قد أساء إليّها بالألفاظ, تنفعل هي، وتبدأ بعرض الحديث, الَّذِي دار بينها وبين الرجل. الآخرون يُهدئون الموقف, وأن كل واحد منهما, قد نال مقعداً فِي الباص, يتم الاستعادة من الشيطان, يشمئز هو يتوارى حول نفسه, من سماع تلك العبارات, يسود الصمت, يوشوش للرجل الَّذِي فِي الأمام. ذلك الرجل تبختر على المرأة, يلتفت الرجل للخلف. الحقيقة لم أر رجلاً مثلك, بهَذَا الأسلوب الفظ والغليظ، يجيب ذاك! وما شأنك انظر أمامك! الآخرون يُهدئون الموقف, يا ناس اهدؤوا استعيذوا من الشيطان, اذكروا الله، هذه المرة, كَاَنَت الكلمات قوية, جعلت إبليس يختفِي. يسود الصمت داخل الباص, اكتمل العدد، دفعنا الحساب للسائق, انطلقنا بالتزامن مع أذان الظهر.

إقــرأ أيضــا | مواضيع ذات علاقة