الجمهورية اليمنية - وزارة الثقافة والسياحة

الهيئة العامة للكتاب
والنشــر والترجمة والتوزيـــع

الأمركة والعولمة وأثرهما

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

كتب المقال / الأستاذ. عبدالرحمن مراد

لاشك أن الحرب تركت ظلالا قاتما، وعملت على الإخلال بحركة التوازنات في المجتمع، وهي غير واضحة المعالم كون المجتمع اليوم تتنازعه ثلاثة أبعاد نفسية تنحصر في الخوف، والتربص، والمداهنة، ولذلك لا يمكن الوثوق بالظاهر وإن بدا شكله واضح المعالم ، فالتناقض في المجتمع اليمني قديم، ومحاولة التآلف فيه والتناغم تحتاج زمنا غير قصير على أن يمتاز ذلك الزمن بالاستقرار والرفاه، وبحيث ترتبط الفئات الاجتماعية بمصالح مع السلطة، ومثل ذلك غير متحقق في مثل الظروف التي تمر بها اليمن اليوم ، كما أن الشرخ والهوة اتسعت بالقدر الذي لا يمكن ردم الصدع فيه، ولذلك فكل المحاولات لردم الصدع ستكون فاشلة، فالعدو الذي نواجه ليس محدودا ولا قليلا بل يملك قدرات مهولة ..مهنية ومادية وتقنية ومعرفية وفكرية، وأمام مثل ذلك تكون نسب النجاح ضئيلة في السيطرة والردم، مع قناعتنا وثقتنا المطلقة في تدابير الله لكن تدابير الله تسير وفق قانون فطري فهو يقول : ” فقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون “.

تبدو المرحلة اليوم أخطر منها بالأمس، وإذا استغرقتنا مشاعر الانتصار فلنعلم أن عوامل الانكسار قد تسللت الى واقعنا، ولعل الواقع يبعث اشاراته اليوم ولذلك من الحكمة الوقوف أمام الواقع الاجتماعي والسياسي وتحريكه من خلال الاعتراف بوجوده ومن خلال الحوار المستمر كون الحوار تصحيح مستمر للتصورات الخاطئة لكل مكون عن الآخر.

فالوضع الاجتماعي مع تداعيات الاحداث والحرب والصراعات يعيش مرحلة غليان وتعمل الآلة النفسية والاعلامية على تنمية مشاعر الغضب وهناك نشاط محموم يسعى الى إيقاظ مشاعر التنافر والغضب ويعمل على تفكيك عرى المجتمع وتعويم الهوية واستغلال كل ذلك سياسيا وأمنيا وعسكريا، وقد يترك ذلك أثرا كبيرا على النسيج الاجتماعي والوطني ، سواء اليوم أو في المستقبل المنظور ولذلك فالترميم يبدأ من بوابة الحوار مع المجتمع وقواه الفاعلة ،حتى تشعر بوجودها وقيمتها في معادلة الحياة وبذلك نقطع الخطوط التي ينفذ منها العدو أو نحد منها.

ومن أجل بناء معرفة صحيحة بالواقع السياسي كما ينبغي أن يكون، نطرح مشكلة المعرفة ذاتها، فصورة الواقع البصرية لا تقدم لنا الحقيقة المطلقة ولا تقدم المعرفة التي ينبغي ، فحقيقة المعرفة أو نموذجها الأكمل لا نحصل عليه بالحواس، بل بالعقل، وبالترقي في المعرفة العقلية، فمن يشاهد أكثر ما يمكن من أنواع التفاعلات، ستكون معرفته بالواقع أفضل، أما إذا كان عالما متمرسا فمعرفته ستكون أكمل، ومع ذلك تبقى حقيقة الواقع شيئا أكمل من كل الظواهر، فالحقيقة هي النموذج والمثال الذي يعمل على تمتين السياج أو يمنع من وصول الظواهر القاتلة للمستقبل الى مراكز مهمة.

فالتكنولوجيا اليوم والتطورات التقنية تحاول أن تطوي العالم في بؤرة صغيرة قابلة للرؤية والقياس تنصهر فيها الحضارات والثقافات لتصبح حضارة واحدة وثقافة واحدة وذلك بفضل التطور التقني في الصورة وفي الميديا وابتكارات الاعلام الاجتماعي – الوسائط الاجتماعية كالفيس والوتس ….الخ – وبمثل ذلك قد يحدث تبدلا سريعا فوق ما نتوقع في البنية الاخلاقية والثقافية في المجتمعات ولعل الأشد خطرا هو انتقال مفهوم العولمة من الافق الاقتصادي والسياسي الى الافق الثقافي والاعلامي والادبي هو ما بات يعرف بالثقافة الشاملة أو المجتمع الكوني وهي ثقافة تذوب فيها الخصوصيات ، فالعولمة تسعى بكل الوسائل حتى تجعل العالم شبيها بأمريكا ولذلك نجد من هو مفتون بالنموذج الادبي والثقافي الغربي بل والنموذج الاعلامي مثل محاكاة بعض برامج المسابقات الشهيرة في الفضائيات مثل تلك التي تبهر المشاهد وتجعله معلقا بها ومتفاعلا معها بالتصويت والانفاق وهي كثر، وقد انتشر أوارها في هشيم ثقافتنا فصنع واقعا عربيا بائسا في الفنون والآداب، ويرى بعض المفكرين أن العقل الامريكي يحاول تطهير العالم من الإيديولوجيين والعقائديين الذين يمتازون بالثبات والدفاع عن الهويات وهو الأمر الذي يعترف به الواقع من خلال حركة الجماعات ك”القاعدة” و”داعش” حيث يعمدون الى تفكيك البنية العقائدية والثقافية وتشويه صورتها من خلال الممارسات التي لا تتسق مع الاسلام ولا مع مبادئه وقيمه الانسانية، فالتوحش والبدائية في الجماعات الاستخبارية يهدف الى تعميم الثقافة الشاملة بالقفز على الخصوصيات من خلال الهدم والتفكيك وقد لاحظ الكثير توالي الهجرات والضجيج الاعلامي حول الافراد الذين يهربون من مجتمعاتهم الى الغرب — وعلى وجه الخصوص في الآونة الاخيرة – كهروب شباب سعودي وخليجي وما صاحب ذلك من ترويج اعلامي، يضاف الى ذلك تفكيك البناءات الثقافية من خلال هدم الرمزيات الثقافية، والسعي الى التقليل من أثرها ويأتي اعتذار رموز الوهابية عن أفكار التطرف في هذا السياق كما تابع المتابع وكل تلك الخطوات تؤدي الى طريق واحد وهو العولمة أو كما يحلو البعض تسميتها بالأمركة.

ومنذ بداية الألفية بدأت ملامح الاستراتيجيات الأمريكية تتشكل في الواقع العربي والاسلامي وبالعودة الى مسار الاحداث نجد متغيرا ثقافيا قد تفاعل مع واقع الغرب بدءا من حركة ” تشويه الأيديولوجيات المتطرفة في أعين معتنقيها ومؤيديها ” والنيل من الرموز الاسلامية ولعلنا نتذكر ما نال رسولنا الأكرم من اساءات ولا نقول انتهاء بالمعارك التي تدار بالوكالة عبر المنظمات والشبكات فالمعركة العسكرية بدأت من العراق وما يزال أوراها مشتعلا في كل مكان، وبالتوازي مع معركة السلاح هناك سيطرة كلية على الموجهات الاعلامية والثقافية من خلال السيطرة على التطبيقات الاجتماعية وتشكيل المنظمات ودعهما، وحين نسترجع شريط الاحداث في العقدين الأخرين نكتشف كم كان العرب أغبياء في التعاطي مع الرأسمالية ونظامها القذر فقد أدارت معركتها معنا من خلالنا وبنا.

إقــرأ أيضــا | مواضيع ذات علاقة