كتب المقال / الأستاذ. عبدالرحمن مراد
اللعبة الدولية ذات القطب الواحد، والقرار الواحد على مشارف النهاية، فنحن اليوم نعيش حالة تحول دولي، وحضور الذكاء السياسي في المرحلة من الضرورات القصوى، وسياسة الاتكال، أو سياسة الاستبداد، لم تعد من ملامح القادم، ومن أراد البقاء في عالم اليوم، لابد أن يخوض غمار السياسة بكل تلونها وألوانها، ووفق ظلالها في الواقع، أما الذين يفقدون القدرة على التفاعل مع تجلياتها، فسوف تتركهم كضحايا معلقين على أعواد التاريخ.
القوة اليوم ذات أبعاد متعددة، وتكمن في المعرفة وقوة الوعي، والفكر، والطريق، والمنهج، والمشروع السياسي والثقافي والاجتماعي الواضح المعالم، وفي القوة الاقتصادية، فالمرء كلما كان مكتفيا ومصنعا وغير معتمد على سواه كلما شعر بالقوة، يؤازر ذلك العقيدة العسكرية، والهوية الوطنية القادرة على الصمود أمام العواصف والأنواء، وبمثل ذلك تصبح المعادلة ذات قيمة في البناء الدولي، فصاحب الحاجة مستعبد، والسيد من ملك قرار نفسه، وحقق لشعبه كل متطلبات العيش الكريم.
كما أن عنصر العدل والخيرية من عناصر القوة في أي مجتمع، فالذات الفردية حين تشعر بقوتها وفاعليتها وبتوفر فرص البقاء، تعمل جاهدة على تفجير طاقاتها في مجال النفع العام، وحين تشعر بتهديد الواقع لها، تقاومه وتعمل على تقويضه، وهو الأمر الذي نعيش كل ملامحه اليوم، فالذات التي مالت الى الآخر لم تمل إلا بحثا عن قيمتها في واقع أصبح يهدد وجودها الفردي، ولذلك أصبح الكثير يعمل تحت شعارات قاتلة، وتحولت الكيانات والتعبيرات الى شركات أمنية ,وشركات عسكرية، تعمل لصالح دول ومصالح دولية، شأنهم في ذلك شأن مقاولي الانشاءات، يتلقون المواصفات ويقومون بالتنفيذ لتحقيق استراتيجيات دولية، هذه الاستراتيجيات تضع المقدمات للمقاولين فيقومون بتنفيذها، وهي على دراية كاملة بالنتائج التي سوف تصل اليها في ظرف زمني معلوم سلفا، فالعالم قد وصل الى فضاءات معرفية متعددة ,بها ومن خلالها يدير شأنه اليوم، فالمعرفة من ضرورات المراحل كلها ,وهي عنصر مهم من عناصر الانتقال من الصراع الى الاستقرار، والبناء قضية وطنية صرفة وهي توافقية لن تأتي من الخارج ولكنها وليدة الحالة الوطنية وتجلياتها، ولا معنى للعمالة فيها لكون العمالة متاه يزني لابد لنا أن نجتاز عقباته النفسية والثقافية والسياسية وهي عقبات كأداء.
فالمعركة مع الصهيونية العالمية عميقة ولن تقف عند حدود النشاط العسكري وفرض ثنائية الهيمنة والخضوع على المجتمعات العربية والاسلامية، وعلى الحكومات، وتحقيق المركزية السياسية والاقتصادية، بل تتجاوز ذلك الى التأثير على البناء الثقافي وتعطيل القدرات الذهنية والاخلاقية وتسطيح الوعي العربي حتى يتقبل جيل الناشئة القضايا كمسلمات غير قابلة للنقاش.
نحن أمام حالة عصية نشبت أظفارها منذ عقود طويلة من الاستهداف والسياسات الاستراتيجية ولا بد من تكثيف الجهود حتى نتمكن من المقاومة ومن القدرة على التحكم من مقاليد المستقبل، ولن ننجح في ذلك إلا ببذل الجهود المضاعفة في التحرك على مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية وبحيث نخلق البدائل التي تحفظ التوازن للمجتمع في عالم متموج وغير مستقر.
اليوم الصهيونية تعمل جاهدة على تنمية مشروع الانهيار القيمي والاخلاقي عن طريق التطبيقات الاجتماعية والسينما والفنون والآداب ومن خلال السيطرة على الموجهات الثقافية في المنطقة العربية من خلال استنساخ البرامج العالمية التفاعلية في العالم والترويج في الوسط الاجتماعي والثقافي العربي، وهذه الاستراتيجية بدأتها منذ وقت مبكر حتى وصلت غايتها اليوم في احداث حالة الانقسام في الرأي العام العربي وفي تفكيك عرى الوحدة العربية، وفي التحكم بمساراتها، فالمهرجانات الفنية والثقافية ومشاريع الترفيه ومهرجانات الفنون في عموم العواصم العربية تهدف كلها الى غايات واهداف واحدة وذات تواشج، وتتمثل تلك الاهداف في خلق جيل رخو خال من قيم الشهامة والرجولة، وساذج، ونماذج ذلك أكثر وضوحا في المجتمع العراقي الذي وقع تحت طائلة الاستهداف منذ سقوط بغداد عام 2003م حيث نشطت الصهيونية عن طريق غطاء الاحتلال الامريكي للعراق في حركة الاغتيالات للعلماء، وأصحاب الفكر والرأي وتماهت الجماعات الارهابية في تنفيذ الاجندات الصهيونية في اغتيال رموز التنوير والحرية والاستقلال، فكان من نتائج ذلك ما نشاهده اليوم في منصات التواصل الاجتماعي من ميوعة وحفلات للناشئة يندى لها الجبين, ومثل ذلك كان يحدث في دبي وأبو ظبي وهو اليوم يسير بخطى الواثق في المجتمع السعودي.
اليمن ينتظر منا أن نصنع ألقا حضاريا لا نكوصا واجترارا لعثرات التاريخ المختلفة والمتعددة سواء في ماضيه أو حاضره، وكل التجارب في الواقع تحتاج وعيا ومعرفة قبل أن تجرنا الى مربعات خطرة لا نحمد عقباها ومؤشرات الواقع بالانقسامات بدأت تتزايد معدلات نموها وتفصح عن نفسها على شبكات التواصل الاجتماعي وقديما قيل كل الحرائق من مستصغر الشرر ولذلك نكرر القول لا بد من اليقظة فالمعركة الثقافية أشد بأسا من العسكرية.
***