كتب المقال / الأستاذ. عبدالرحمن مراد
الحرية وحقوق الانسان وحقوق الحيوان والمساواة والعدل والخير وقيم المحبة والسلام والتعايش واحترام القناعات والسلوك القويم في التعامل مع البيئة وحفظ الحقوق ومعرفة الواجبات وغير كل ذلك لم يأت به في واقع البشر سوى الاسلام، وليس من العدل اليوم أن ننسب هذا المستوى الحضاري الذي وصل اليه البشر في عموم الكرة الارضية الى الغرب باعتبارهم رواده وصانعيه بل الى الاسلام، ولا يعني تخاذلنا عن ديننا وعن اثره على البشرية إلا ضعفا وتسليما لثقافة الاقوى بعد أن دب الضعف في جسد الدولة المسلمة وبعد أن سقطت بغداد في يد المغول، وكان من الاجدر بالعرب والمسلمين أن يعودوا الى تراثهم المعرفي والتاريخي ومراجعهم الثقافية ليكتشفوا كيف التقط العقل النقدي الغربي المعارف والقيم من الرموز والاشارات التاريخية ومن القصص وكتب الاخبار والنوادر التي أبدعها العرب زمن ازدهار دولتهم وثقافتهم في عصر الدولة العباسية.
لقد أبدع العرب والمسلمون في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية، وابتكروا علوما، وكانت لهم مبتكرات وصناعات فاقت الخيال، ووصل بعض ملوك الافرنج الى درجة الذهول والدهشة وقد أهدى لهم أحد الخلفاء مبتكرا صناعيا كما هو حالنا اليوم ونحن نتفاعل مع الصناعات الغربية.
والقارئ الحصيف، والمتأمل اللبيب يجد أن البعد الأخلاقي كان بعدا مهما في ازدهار الدولة الاسلامية فبه ومن خلاله وصل المسلمون الى ما وصلوا اليه من مكانة بين الامم، ومن هيبة، بل كانت قيمة المسلم تفوق الخيال، فالقضية الاخلاقية شكلت منعطفا مهما في المسار الاخلاقي العربي وحين قال الرسول الاكرم عليه السلام : إنما جئت لأتمم مكارم الاخلاق، ما نطق من هوى بل كان وحيا يوحى علمه اياه شديد القوى الكريم المتعال، لذلك فنهضة العرب اليوم نرتبط ارتباطا جوهريا بالبعد الاخلاقي فإذا استطعنا ترتيب النسق الاخلاقي في جل تفاعلاتنا المعرفية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية فقد بلغنا أوجا كريما لا يصله إلا العظماء الكبار الذين يحملون الرسالات ليحدثوا متغيرا في مجرى التاريخ، ومثل ذلك من خواص الاسلام زمن البعثة المحمدية حيث عمل على احداث متغير كبير في مجرى التاريخ ما يزال الفكر الانساني يقف أمامه بكل اجلال ودهشة.
وقد لفت انتباهي قول قائد الثورة قائد المسيرة القرآنية السيد عبد الملك الحوثي في واحد من خطاباته التي قالها بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد حسين بدر الحوثي – عليه سلام الله ورحمته – وهو يؤكد: أن المسيرة القرآنية ليست تنظيما ولن تكون حزبا بل هي حركة وعي وأخلاق، ومن المفترض أن نقف عند مفردتي وعي واخلاق فهما المشروع الاكبر والاهم الذي يجب أن نلتف حوله حتى نبلغ اسباب النهضة والخروج من شرنقة الضعف والهوان الذي ينال من الامة ويحط من قدرها.
لم يكن السيد القائد إلا مدركا لحركة التاريخ وكنه الاسلام وجوهره فقد كان اشتغال الاسلام الاهم وتكامله مع كل الرسالات في البعد الاخلاقي وهي خاصية مؤكدة بالنص القطعي : ” وإنك لعلى خلق عظيم ” هنا جوهر الرسالة المحمدية ومنها تنبثق المجالات ومشاريع النهضة، لذلك فالوقوف عند الجانب الاخلاقي باعتباره أساس مشروع المسيرة القرآنية حتى نجعل منه معيارا في تفاعلنا اليومي مع الاشياء ونقيس من خلاله مستوياتنا النفسية والاخلاقية وسلوكياتنا ومستويات النجاح والفشل، فالقدرة على الضبط الاخلاقي تجعل منا قوة قاهرة غير مقهورة، فالنظرية الاخلاقية الاسلامية لا تعني السلوك الفردي ومستوى تعامل الفرد مع محيطه بل تعني القدرة الاخلاقية على صناعة حياة الامم وسعادتها وبما يحقق الرفاه لها والعيش الرغيد ويعزز من حريتها ومن كرامتها ومن استقلالها، لذلك فالنظرية الاخلاقية إذا حضرت وكان حضورها فاعلا فهي تبدع الواقع السياسي والواقع الاجتماعي والواقع الاقتصادي والواقع الحضاري.
ومن هنا اتمنى على القادة من رموز المسيرة القرآنية التفاعل مع خطاب السيد القائد وتحويل مضامينه الى برامج عمل يكون اثرها واضحا في المسار الاجتماعي والمسار الاداري للدولة فالأخلاق معيار تقدم الامم ومعيار انحطاطها وتقييم الافراد يفترض أن يبدأ من المسار الأخلاقي وتعيين الافراد لابد أن يكون البعد الاخلاقي معيارا مهما فيه، فأهل الشرف ومكارم الاخلاق هم الرجال الذين يفترض الاستعانة بهم فشرفهم يمنعهم من الوقوع في الرذائل، وعلينا أن ندرك أن من تسوء أخلاقه يترك أثرا مدمرا ولابد من تقويم اخلاقه وإن كان ذلك يكون صعبا فالطبع في الغالب بغلب التطبع، وكانت العرب تحتاج الى السفهاء للقيام بوظائف بعينها وهي وظائف وقتية تجاوزتها النظرية الاخلاقية الاسلامية.